مكية و آياتها ثمان آيات
( ألم نشرح لك صدرك )
أي نورناه و جعلناه فسيحا رحيبا واسعا لشرائع الدين و الدعوة إلى الله , و
الإتصاف بمكارم الأخلاق , و الإقبال على الآخرة , و تسهيل الخيرات , فلم
يكن ضيقا حرجا , لا يكاد ينقاد لخير , و لا تكاد تجده منبسطا .
و كما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا واسعا سمحا سهلا لا حرج فيه و لا إصر و لا ضيق .
( ووضعنا عنك وزرك
) النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن له وزر حقيقة , لأنه كان محفوظا بحفظ
الله تعالى فلم يسجد لصنم و لم يشرب خمرا و لم يقل أو يفعل إثما قط .
فالأنبياء
و الرسل معصومون من الكبائر , و من الصغائر على الراجح , إذا ماهي ذنوب
الأنبياء ؟ قال العلماء : ذنوب الأنبياء هي ما كان خلاف الأولى عن اجتهاد
يعني يجتهد و لا يصيب الأولى , مثلما اجتهد النبي صلى الله عليه و سلم في
أسرى بدر حيث قبل الفدية و أطلق سراحهم , فكان هذا اجتهاد , الله تعالى
عاتبه عليه و قال " لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم " قاله الشيخ عبد العظيم بدوي في الدقيقة 53:01 .
( الذي أنقض ظهرك
) قال غير واحد من السلف أي أثقلك حمله . و الإنقاض : حصول النقيض و هو
صوت فقرات الظهر , و قيل : صوت الجمل أو الرحل أو المركوب إذا ثقل عليه .
فالإنقاض التثقيل في الحمل حتى يسمع له نقيض , أي صوت .
( و رفعنا لك ذكرك )
أي : أعلينا قدرك , و جعلنا لك الثناء الحسن العالي , الذي لم يصل إليه
أحد من الخلق , فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه و سلم ,
كما في الدخول في الإسلام , و في الأذان و الإقامة و الخطب , و غير ذلك من
الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله صلى الله عليه و سلم . و له في قلوب
أمته من المحبة و الإجلال و التعظيم ما ليس لأحد غيره , بعد الله تعالى ,
فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته .
( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا )
بشارة عظيمة , أنه كلما وجد عسر و إن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإنه في آخره
التيسير الملازم له , حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه ,
كما قال تعالى " سيجعل الله بعد عسر يسرا " .
و تعريف " العسر " في الآيتين , يدل على أنه واحد , و تنكير " اليسر " يدل على تكراره , فلن يغلب عسر يسرين .
( فإذا فرغت فانصب
) إذا فرغت من أمور الدنيا و أشغالها و قطعت علائقها , فانصب في العبادة ,
و قم إليها نشيطا فارغ البال , و أخلص لربك النية و الرغبة . و عن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . و قال ابن عباس " فإذا فرغت فانصب " : يعني في الدعاء . و قال زيد بن أسلم و الضحاك " فإذا فرغت " أي : من الجهاد " فانصب " أي في العبادة .
( و إلى ربك فارغب
) إرغب بعد كل عمل تقوم به في مثوبة ربك و عطائه و ما عنده من الفضل و
الخير إذ هو الذي تعمل له و تنصب من أجله فلاترغب في غيره و لا تطلب سواه .